حين يعلو موج الغربة.. وتشتد جرأة الألم.. ويفيض الكأس بالهَم.. وحين تنظر الى الأمل الذي يتلألأ في الأفق وتخشى أن يكون سراباً فتذبل ورود الحياة.. حين يهدّ الروحَ الفراقُ ويجنّ القلب من الإشتياق.. لا يعود هناك إلا شدّ الرحال إلى حيث تُسكَب العبرات.. إلى مكة والمدينة..
هي محطّة وقود يتزوّد منها المسلم حين يشير عدّاد الهمّة والإيمان إلى الانخفاض.. وهي مهمة لإعادة بثّ الروح في القلب والحيوية في الحياة.. وحمداً لربي جل وعلا أن جعل للمسلم مواسماً ومحطات يتقوّى بها على الطاعة..
يتحدّثون عن الحب وقد ذقته حتى ارتويت.. هناك تلذذت بمعنى الخضوع لله جلَّ في عُلاه والتضرّع إليه والإنكسار على بابه والتمرّغ بأعتابه.. هناك غرفت من معين الطاعة وارتقيت.. ثم زادني الرحمن جل وعلا من فضله.. فانتشيت! هناك يحلو للدموع أن تخضّب الخدود فتتوضأ المعاصي من ماء الرحمة لتتلاشى.. دموع كفيلة بالبوح عن كل ما يختلج الضلوع من حب وخوف ورجاء.. وحرقة على معاصٍ مضت وأوقاتٍ ضُيِّعَت وحقوقٍ ربانيةٍ انتُهِكَت.. هناك يزيد اليقين ويفيض الحنين ويسجد الجبين..
ولا أظنني أتيتُ حتى الآن بجديد.. إذ جلّ من يمضي إلى تلك الرحاب يكون هذا حاله.. خضوع وارتقاء حتى اذا ما أقفل عائداً الى دياره يعود بعد فترة إلى سابق عهده من عادات وإدبار وذنوب..