الفصل الأول :
المشهد الأول
ستائر المسرح مفتوحة إلا أن الإضاءة خافتة جدا لا تكشف عن معالم خشبة المسرح . أصوات أقدام تدخل الى وسط المسرح
عز الدين : خيانة . . خيانة . .
العلقمي : اخفض صوتك . اخفض صوتك . هل تريد هلاكنا ؟؟
عز الدين : خيانة .. لا احتمل الخيانة . كيف تجرؤ على التفكير بطريقة كهذه
العلقمي : هل تريد الإطاحة برؤسنا ؟؟ اخفض صوتك واصغ لما اقول . وستجد أن رأيي هو عين الصواب
: عز الدين : عين الصواب !! هه.. ما يقوله العلقمي عين الصواب . إذا كان ما تقوله أنت هو عين الصواب فكيف اذا تكون الخيانة؟
العلقمي : خيانة خيانة خيانة .. من يخون من ؟ ومن يحمي من ؟ ومن سيقاتل ضد من ؟؟ هل سالت نفسك هذه الاسئلة. ما زلت مصرا على حماسك الفارغ وعلى طيشك وحماقتك . ما أسهل أن يشهر الانسان سيفه ، وما اصعب أن يغمده في المكان المناسب
عز الدين : الظلام .. الظلام يلف كل شئ حولنا ..اين النور ؟؟ ياحراس.. ياحراس أضيؤا الانوار
يقترب جندي وهو يحمل مشعلا فيضئ مشاعل معلقة على الجدران .
ينار نصف المسرح الايسر لتظهر اثاث قاعة فاخرة . يخرج حامل المشعل بينما يقترب العلقمي من عز الدين . يمسك يده وهو يتحدث اليه بجدية ورجاء وبصوت مرتعش: علينا أن نجد مخرجا ما .. لا بد أن نتصرف بحكمة وإلا ضاع كل شئ. لولا ثقتي بحرصك على سلامة الدولة. وسلامة الناس لما جازفت بحياتي وأخبرتك بما أنوي فعله
عز الدين : لقد وضعتني في مأزق. لم أخبرتني بدناءتك التي تنوي ارتكابها ؟؟ سأمنعك من ذلك . سأمنعك مهما كان الثمن .
العلقمي خائفا : لا .. لا . لست أنت من يخون شخصا استوثقه . لقد جعلتك موضع سرٍي وأخترتك شريكا لي لانقاذ هذه السفينة الغارقة . علينا أن نضحي بما تعودنا عليه من قيم كي نستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه
عز الدين : لا أدري أيهما أصعب عندي أن أكون واشيا رخيصا وأخون من أستودعني سرّه . أو أن أكون خائنا لبلدي.
العلقمي: ها قد عدت ثانية للحديث عن الخيانة . خيانة من ؟؟ من الذي خان ؟؟ من الذي جلب على روؤسنا كل هذا الخراب ؟؟ من الذي دمر البلاد وهتك الاعراض . .؟؟ من هو المسؤول عن كل هذا الموت والخراب الذي لم يفارقنا منذ عقود ؟؟ من هو المسؤول ؟؟ ارأيت ؟؟ إنه لا يستحق هذا الاخلاص .انت تضع ولاءك الاعمى في غير موضعه
عز الدين : وأنت أتظن أنك قد وضعت ثقتك في محلها ؟؟ لا أدري كيف تفكر ؟ هل تريد مني أن أضع يدي في يد من جاء حاملا الموت لهذا البلد؟؟
هل أصافح الجلاد وأشد من ازره !! ربما طلب مني أن أكون سيفا من سيوفه . أهذا هو الحل الذي لديك ؟؟
العلقمي : إنك تنظر للأمور من زاوية أخرى. ليس هذا هو ما أريده على الاطلاق . كل ما علينا فعله هو محاولة إنقاذ هذه المدينة من الابادة. المدينة ستسقط . ستسقط كثمرة طال تعفنها على غصن يابس . وعلينا أن نحاول إنقاذها .. علينا أن ننقذ الناس . النساء الاطفال . الدور التي ستحرق . الجوامع التي ستتهدم . ألم تسمع بما حل بالمدن التي قاومت المغول؟؟ لقد أبيدت عن بكرة أبيها ولم يبق منها حجر على حجر . لا لا أريد لبغداد .مصيرا تعيسا كهذا . أليس انقاذ مدينتنا هدفا نبيلا علينا أن نضحي لتحقيقه ?
عز الدين : ما كان عليك أن تحدثني بكل هذا .. أنت تعرف جيدا أنني لا أحبك . وكنت دائما اتساءل عن سبب نفوري منك . الان عرفت السبب
العلقمي : ليس مهما أن تحبني أو أن أ حبك . لا وقت لمثل هذا الكلام الان . المهم أنك تحب بغداد . وعليك انقاذها . هذا واجبنا . لندع العواطف جانبا ولنحاول أن نؤدي واجبنا
عز الدين : بالخيانة ؟ !
العلقمي : يا عز الدين ياعز الدين متى ستفهم ما أريد قوله. دع عنك هذه الكلمة البغيضة وحاول ان تفتح عينيك جيدا لترى الواقع. سنعجز عن المقاومة . وستسقط بغداد وتحترق . ولن نستطيع منع هذا إلا إذا تصرفنا بطريقة حكيمة
عز الدين : طريقة حكيمة !! وكيف تدخل الحكمة رأسا مملوءة بالأفاعي ؟ كان على الخليفة عزلك بعد فتنة الروافض . إنك تريد ألانتقام
العلقمي يائسا: لا فائدة منك . بمن أستعين إذا ؟؟ كنت أظنك أحرص الناس على مدينتك . تأمل بعين قلبك ما سيحدث . ألا ترى الخراب الذي يوشك أن يحل ؟؟!! ألا تسمع صرخات النساء اللائي سيذبحن ؟ ألا تشم رائحة اللحوم اللتي ستحترق ؟ ألا تبصر روحك السنة اللهب اللتي ستتعالى؟ ألا يعمي دخان المدينة المحترقة عينيك ؟؟ ألا تبحث عن طريق للخلاص من هذه المأساة ؟؟
عز الدين وهو يشهر سيفه : لا أعرف إلا هذا طريقا للخلاص.
العلقمي بحزن : ما أسهل أن يشهر ألإنسان سيفه . وما أصعب أن يغمده في المكان المناسب
اصوات اقدام وهمهمات من جهة المسرح اليسرى. صوت من الخارج : مولانا الخليفة المستعصم بالله
يدخل المسرح شخص نحيل القامة مترف الملبس لحيته مشذبة بعناية فائقة يسير بخيلاء ووقار مفتعل . ويسير خلفه أحد الحراس . يقف العلقمي وعز الدين بلا حراك ثم يقولان بصوت واحد: السلام على مولانا المستعصم
المستعصم يرفع كلتا يديه با سطا كفيه يقف الحارس ثم يستدير وينصرف بهدوء
المستعصم: وعليكما السلام . لم أتمكن من إكمال رحلة الصيد . لقد إقتربوا .. إقتربوا أكثر مما ينبغي
العلقمي : لم يكن خروجك مناسبا يا مولاي . في هذا خطر جسيم على حياتك . إنك تبالغ في تحدي الموت. تذكر يا مولاي أن حياتك ليست ملكاً لك . إنها ملك للأمة كلها
عز الدين ينظر بطرف عينيه للعلقمي. يهم بالكلام مع المعتصم ،ثم يمسك مترددا
المستعصم : وهل تريد مني أن أبقى حبيس هذه الجدران ؟لا أحب لدي من الخروج إلى الفلاة ومطاردة الفرائس وإصطيادها . أنتم تعلمون مهارتي في إستخدام القوس
العلقمي وعز الين معا : طبعا .. طبعا يا مولاي
عز الدين : أجد من واجبي أن أذكرك يا مولاي بضرورة ألإستعداد لمواجهة المغول.. لقد إقتربوا كثيرا وهم يوشكون على تطويق بغداد من كل ناحية. وقد رأيت ذلك بنفسك يامولاي.
الخليفة : فعلا .. انهم تحت الاسوار . وامام الضفة الاخرى من دجلة . لهذا لم استطع الخروج للصيد .
عز الدين : لا أرى الوقت مناسبا للصيد . إن علينا أن نكرس كل وقتنا وجهدنا للدفاع عن المدينة
المستعصم غاضبا : أنا أحكم هذه البلاد كلها منذ أكثر من خمسة عشر عاما . وأنا ادرى بما يجب فعله في مثل هذه الظروف
عز الدين : عفوك يامولاي . لكن الوقت يمر . والطوق يزداد إحكاما لحظة بعد أخرى . علينا أن نفعل شيئا ما .. لم لا نخرج ونوزع الاسلحة على الناس ليدافعوا عن أنفسهم . لم لا نجندهم ونحثهم على القتال لم لا نرفع راية الرسول السوداء وندعوا الناس ليلتفوا حولها مجاهدين ومدافعين عن مدينتهم . لم لا ....
المستعصم وقد نفذ صبره : كفى .. كفى ايها الجندي . إنك تتجاوز حدودك
عز الدين لقد تجاوزوا هم حدودنا . وهم الان على مرمى حجر منا يامولاي . الجيش يرفض أن يقوده مرشد الخصي . ومجاهد الدويدار قد فشل في تحقيق اي نتيجة في مناورته الغامضة . كأنه إكتفى بابعاد الجيش عن المدينة فحسب .
العلقمي : لا تؤخذ مثل هذه الامور بالحماسة فقط ياعز الدين . لمولانا رأي صائب في مثل هذه المواقف
المستعصم : أخبره ياعلقمي . إنك تعرفني جيدا . أكثر بكثير من هذا الجندي المندفع
العلقمي : لقد إستأمنك الخليفة على قصره . عليك أن تؤدي واجبك فحسب . عليك بترصين دفاعات القصر واترك الباقي لنا ياعز الدين
عز الدين صارخا : مولاي .. مولاي .. يجب أن أخبرك أنّ
المستعصم بغضب : كفى .. كفى ياعز الدين . أخرج الان . لقد أرهقتني إنك تشوش أفكاري . اخرج أخرج وإهتم بما أنت مكلف به فحسب
عز الدين منخذلا .: مولاي .. مولاي .. أمرك يامولاي. . يغادر المسرح بخطوات سريعة
المستعصم : حماسة الشباب تملا عروقه . إنه يريد أن يقاتل . لا يعرف إلا السيف. مازال ساذجا . تنقصه حكمتك يا علقمي.
العلقمي : منك تعلمنا الحكمة يامولاي.
المستعصم : ولكنك تلميذ بارع للغاية. لقد سبقتني بخطوة هذه المرة .
العلقمي بحذر : لا أدري عم تتكلم يا مولاي .
المستعصم : بل تعرف مقصدي جيدا ياعلقمي. إنك تأخذ بعين ألإعتبار كل الاحتمالات. لا تريد. ولا تسمح أن يفاجئك اي شئ .
العلقمي : هذا من صميم واجبي كوزير يا مولاي. هذا هو عمل رجل الدولة
المستعصم : رجل الدولة .. رجل الدولة الذي يريد أن يبقى رجل دولة . في أي ظرف. ومهما كان الثمن
العلقمي : اي ثمن يامولاي ؟؟ في كلامك تلميح غريب ومقصدلم يستطع رأسي المسكين ان يستوعبه
المستعصم : رأسك .. اه من رأسك . كم أتمنى لو أستطيع فتح رأسك ومشاهدة ما تخبئه فيها . دعنا من ذلك الان.. اريد عرفه
العلقمي : عرفه !! ألان يامولاي؟؟
المستعصم : نعم . ولم لا .!. انني متكدر . أين عرفه .؟ يصفق بيديه فتدخل عرفه الى الخشبه وهي ترتدي ملابس مترفة . تسير بخطوات خائفة مترددة . تقف أمام الخليفة وتنحني برقة
المستعصم : أراك شاحبة اللون . ما بك ياعرفه؟
عرفة : انني أسمع أصواتهم . صراخهم الوحشي خلف أسوار القصر . المغول .. المغول يامولاي
المستعصم ينهض غاضبا : ويلك ياعرفه اتخافين وأنت في قصر المستعصم !! وتجرؤين على قول ذلك أمامي
عرفه : عفو مولاي .. أتأمرني بشئ ؟
المستعصم بحزم : أرقصي .
عرفه بدهشة : أرقص !! ألان .. ألان يامولاي ؟!
المستعصم غاضبا: نعم ألان . ألان وفي كل وقت أريد . أرقصي . أرقصي ياعرفه .
ترفع عرفه ذراعيها بارتباك وتردد. تبدأ موسيقى الف ليلة وليلة لبليغ حمدي وتبدأ معها عرفه بالرقص بتشنج وتعثر في البداية ثم بسلاسة ورشاقة . الخليفة يدخن من أركيلة ضخمة ذات ?نق ذهبي مرتفع وهو يتمايل طربا ونشوة .. والعلقمي يتأمل الموقف بحذر يستمر الرقص فترة وفجأة يتحطم زجاج أحد النوافذ . عرفة تصرخ وتسقط أرضا . يقفز الخليفة ليقف ملاصقا لاحد الجدران . العلقمي يحتضن عرفه ثم يلتفت إلى الخليفة قائلا برعب
: سهم مغولي يامولاي . لقد إقتربو أكثر مما كنا نتخيل يا مولاي . ها هي سهامهم تصيب من بداخل القصر وها هي ذي عرفة قد فارقت الحياة
الخليفة صارخا : يا عز الدين .. ماذا تفعل في الخارج إذا يا عز الدين.؟ غطوا الابواب والنوافذ بستائر خشبية تحركوا .. إفعلوا أي شيئ
أصوات أرجل تتراكض في كل مكان . الواح خارجية تسد النوافذ فتقل الاضاءة على الخشبة
يتحرك الخليفة من مكانه ويجثم قرب عرفة . يرفع ذراعها ويسقطها قائلا بحزن : عرفه .. عرفه ..
لقد قتلوك ياعرفه. من سيسري عني بعدك ياعرفه
العلقمي : لديك مئات الجواري يامولاي .
الخليفة بحدة : ليسو كعرفه .. لقد فارق الحياة الان انعم جسد لامسته اصابعي .. ماتت عرفه ... لم يكن هناك من يفهم رغباتي تماما مثلها . وهاهي ذي قد قتلت . وأمام ناظري وبسهم مغولي .. وعز الدين على اسوار القصر لا يفعل شيئا الا الثرثرة. عز الدين ويلك مني يا عز الدين
العلقمي : ربما كان عز الدين عاجزا عن فعل أي شيئ يامولاي . ليس من السهل الوقوف بوجه المغول
المستعصم : وكنت تعرف ذلك منذ البداية . لهذا اخترت أن تراسلهم
العلقمي : أنا !! أنا يامولاي ؟؟
المستعصم : أتحسب أنني غافل عن تحركاتك . انني المستعصم إبن المستنصر . أتظن أن حشرة تتحرك في هذا القصر ولا يصلني دبيبها . لقد درست الاحتمالات كلها . وإخترت أن تكون مع الطرفين ؛ لتفوز مع أي منهما . أمسكت العصا من منتصفها. ولم تلصق ظهرك بالحائط
العلقمي : يا مولاي .. أقسم أنني لم ..
المستعصم : لا تقسم على شئ .. أنا أعرف خطواتك منذ الحركة الاولى
العلقمي : لقد حاولت أن أجس نبض هولاكو يامولاي .؟. لعلني أصل إلى غاياته ومراميه
المستعصم : وهل كانت غاياته خافية عليك ؟
العلقمي : لا .. لا يا مولاي .. ولكنني أردت إقامة نوع من الحوار بيننا .. أنت تعلم أن هناك أمور لا بد أن تؤخذ بالحنكة والدراية
المستعصم : بالتأكيد.. الحنكة والدراية .. كيف فاتني ذلك .. ولكن أخبرني هل من الحنكة والدراية أن يتصل وزير الدولة الاول داعيا قائد العدو لأجتياح عاصمة الخلافة
العلقمي : معاذ الله .. معاذ الله يا مولاي
المستعصم : لا داعي للكذب أيها الشيخ الاحمق . إنك تراسلهم وتدعوهم لحصار المدينة واقتحامها
العلقمي : جيوشهم تبحث عن أراض جديدة . وحلم تطويق بغداد وإخضاعها لا يفارقهم منذ ثلاثين سنة . كان لابد أن أحاول معرفة أهدافهم يامولاي .
المستعصم : ولم كتمت الامر عني ؟
العلقمي : كنت أريد أن أصل ألى نتيجة ما قبل أن اشغلك بمراسلات تافهة وغير مجدية . إنهم لايعرفون بالضبط ماذا يريدون منا . قد نستطيع شق معسكرهم إلى فئتين ونجعلهما يتصارعان فيكفونا شر قتالهم
المستعصم : فكرة صائبة لو كنت مخلصا في ولائك .
العلقمي : أتشك في ولائي يا أمير المؤمنين ؟؟!!
المستعصم : اشك !! لا.. لا اشك في ولائك أبدا . ولاؤك دائما لمن يجلس على هذا العرش . مهما كان شخصه
العلقمي : لاتظلم خادمك المخلص يامولاي . إنما فعلت ما فعلته حرصا مني على سلامة البلاد وسلامتك يامولاي
المستعصم : سلامتي .؟؟. سلامتي هي سلامة البلاد . وسلامة البلاد هي سلامتي .
العلقمي : طبعا . طبعا يامولاي . بم تأمرني الان .
المستعصم : أكمل ما بدأته . اعرض عليهم نصف خراج الدولة سنويا . على أن يعودوا من حيث جاءوا
العلقمي : نصف خراج الدولة !! هذا كثير . كثير جدا يامولاي
المستعصم : لايهم . سلامتنا وسلامة الدولة فوق كل إعتبار
العلقمي : نصف خراج الدولة ؟؟
المستعصم : نصف الخراج . أخرج إليهم ياعلقمي وسارسل الى الدويدار ليعود بالجند الى بغداد. أبلغ هولاكو بذلك لكي لايظن بنا الغدر. فليس الغدر ونقض العهود من شيمنا.
العلقمي : سمعا وطاعة يامولاي
ستار