هستيريا الجنون

هستيريا الجنون
السجينة رقم – 2 –

( شاب يجلس في زاوية غرفة إضاءتها خافتة يحدق في طائر مرمي أمامه .......... ينهض الشاب ويمشي بشكل متسارع ومضطرب مركزاً نظره على الطائر ............. يتسارع المشي ليصل إلى حد الركض مع تركيز النظر على الطائر .............. يتباطئ الركض رويدا ً رويداً حتى يقف الشاب أمام الطائر ......... ثم ينهار أمامه صارخاً )

_ آآآآآآآآآآآآآآآآآه ....................
تعتيم -


( موسيقا تناسب المشهد )


_ ها أنا في الليل وحدي أجوب في رحاب أضيق من ثقب إبرة .............. قضم فجلة غضة غدا كا رثة .............. ومعالجة أصابع البرتقالة قد يقود الى مجزرة .........


( بسخرية مريرة )


_ ألعن تلك اللحظة التي كنت أتناول فيها ذلك الطبق من الأرز الأبيض المنفوش فتلك القطعة الصغيرة من الحصى تركت رحاب الله كلها وإستقرت في صحني وأبت أن تغادره إلا إلى ضرسي المنخور ولم تتركه حتى كسرته ولم تتركني إلا مع
موعد مع الألم المستمر ......... الصارخ ......


( ساخراً )

_ إيه ......... إيه ..............
وها قد جاء الفرج .............. بعد رحلة العذاب الطويلة ........ فصديقي توسط لي عند صديقته الممرضة وصديقته الممرضة توسطت لي عند معلمها الطبيب ومعلمها الطبيب تواضع بحلمه وعلمه وبدأ يؤجلني إلى الغد وبعده وأنا أصبر نفسي بقولي إن الغد وبعده لناظره قريب .


( يضحك مقهقهاً ... ثم يستأنف حديثه )

_ ثم جاء الفرج ........ قابلت ذاك الطبيب لآخر مرة وقد وعدوني بأنني سأرتاح بعدها إلى الأبد .


( ممثلاً ما يقوله مخاطباً الجمهور )

_دخلت إلى الطبيب الذي بطحني على طاولة طويلة وإمتدت آلاف الأذرع المعدنية من فوقها إلى فمي ولم أجروء على النطق إلا بالآه ..... والآوه ...... والإيه .......... في إيقاع متتال حتى كدت أنفجر فإنتفضت هارباً من قبضته بعد أن تراوى لي أنه جزار وأنا مجرد شاة .
في ذاك المساء بلغت آلامي حداً لا يطاق فلمعت في رأسي فكرة شيطانية .



( يفرك كفيه ببعضهما بدهاء ومكر )

_أخذت خيطاً طويلاً ربطت طرفه بمكواة وأدخلت طرفه من خلال حلقة المروحة وعلقته في ضرسي المكسور المنخور ثم


( يبتسم )

_............ تراك ........


( يتألم )

_آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآخ ...........


( يصفق بفرح )

_تخلصت من كل آلامي ........ كان هذا فني في قلع ذلك الضرس اللعين .


( يستدرك بدهاء )

_ بعدها حل في المكان صمت رهيب ومئات الوجوه التألمة إرتسمت أمامي من سكان الحي وكل منهم ينشد سمفونية ... الآه ..... آوه ...... إيه .......... أو سنفونية آخ ........ آوخ .................. إيخ ............


( يفرك كفيه ببعضهما مفكراً )

_فأيقنت حينها أنه يلزمنا أكثر من مكواة لحل المشكلة أو واحدة شرط أن تتناقلها الأيدي ما تبقى من الليل ....................


( يبتسم بفخر )

_ وبدأت أشعر بأنني أصبحت الطبيب لكل هؤلاء وباشرت بقلع ضرس أجمل فتاة لتكون ممرضتي التي ستناديني معلمي ........... وبدأ أصدقاؤها يوسطونها لتتوسط لهم عندي وأنا أتدلل وآؤجلهم حتى أشعر بكبريائي كمعلم .........


( يضحك مقهقهاً )

_ وبدأت أتفنن في قلع أضراس المتألمين فهذا أقلعه بالبانسة وذاك بضربة شاكوش وتلك بسحبة مكواة وذاك بسحبة باب حتى وجدتني إمبراطور الأضراس ........

( يضحك مهتزاً ومعتزاً ثم يصمت فجأة ليتحدث بألم )

_ في ذاك الصباح أفقت على حقيقة صارخة .....
السجينة رقم –2- ماتت ........
صغيرتي التي ربيتها منذ زمن طويل .......... ماتت .......
كم تألمت لموتها ......... فمصيري بات محتوم ......
( يتنهد )

_ أذكر ذاك اليوم الشتائي البارد حين وجدتها على الثلج مكسورة الجناح فأخذتها وضمدت لها كسورها وجراحها ......
أنا الذي أعيش في جحر تحت الأرض وأستنشق كل صباح هواءً خال من الأوكسجين يعبق برائحة _ البوالين _ على قارعة الطريق .


(بصوت خافت )

_ السجينة رقم –2- ماتت ........


( مخاطباً نفسه )

_وبعدها سيكون دورك .....
هاتف داخلي رن في عقلي فإنهارت أعصابي ووقعت على الأرض الخالية إلامني ......


( يجثو على ركبتيه )

_ ومنها ومن صحنها الذي كنت أضع فيه بعض حبوب الذرة وكانت هي تنقره ليلاً ليبدد صوت نقراتها صمت المكان .


( مخاطبا الطائر المرمي على الأرض )

_ صديقتي الوحيدة ......... لا فرق بيننا .....
أنت مكسورة الجناح ........... وأنا كذلك .......
أنت لم تستطيعي الطيران ............ وأنا كذلك .......
أنت قتلتك أحذية المتألمين .................. وأنا تقتلني أحذية المتنعمين في سجني الصغير ..............


( يحاول أن يتذكر شيئاً ثم ينهض واقفاً )

_هل تعرفين بيروت ؟!
سأشرح لك ...........
في ذاك الصيف إنهار بناء من عشر طوابق وكنت في زيارة لصديقتي في الطابق العاشر وبين هرج ومرج وصياح وصراخ ........... كان ثمة مخاض حقيقي في الطابق الأول .تلك التي أبت أن تغادرنا قبل أن تودعنا طفلةً شقيةً رائعة الجمال ........ شقاوتها تحاكي شقاوة الجان .

شظية صماء أخرجت طفلتها من جوفها لتخرج الحياة من رحم الموت .

أما أنا فالشظايا الصماء أخرجت حياتي من رحم موتك ....

وجدتني أفكر .....

متى دوري ؟؟؟!!!!!!!!!


( يصمت لحظة )

_ السجينة رقم –2- ماتت ........
هي حقيقة الكون الوحيدة لمواطن مجنون يحمل روحه على كفه ليعيش في غابة من الوحوش الكاسرة الذين لم يقبلوا الإعتراف بأنني كائن بشري يمكنه التعايش مع بشريتهم .
لكنني أستسلم ........
وسأبقى أشكر الشمس التي لم أرها منذ سنوات والنور والقمر ..
شكراً للممرضة ولصديقي صديق الممرضة وللطبيب معلم الممرضة ولمئات الوجوه المتألمة في حينا الفقير الصغير ........... شكراً ........... شكراً........... شكراً ................


(يضحك ضحكة جنونية )

_لا وقت لدي للشكر فأمامي مئات الوجبات التي فاتني إصطيادها قبل أن تأتيني أنة الموت والعدم وبصفتي مواطن من الدرجة العاشرة يعيش حالة لا منطقية في زمن لا منطقي .
أعلن ولادتي من رحم موتي وشهادتي وأنتظر إنتصار الضعيف على القوي والعصا على المسدس وإله الحب على الحقد والكراهية لأعلن :


( يواجه الجمهور بحالة هستيريا )

_ مجنون من لم يفقع عينه ............. كيلا ترى الحقيقة
مجنون من لم يبتر رجله ............. كيلا تمشي في دروب العدالة
مجنون من لم يقطع لسانه ............. كيلا ينطق بالصدق
مجنون أنا ................... مجنونة أنت ...........
مجنون ................
مجنون ................
مجنون ................


( ستار )
تمت -

أمجد طه البطاح

ألف شكر وردة


موضوع مميز


لك تحيتي